الأربعاء، 12 نوفمبر 2008

أوباما ولقمان الحكيم !!! الحلم الأمريكي وسياسة بناء الأسطورة

بقلم: أسامة عباس
من المثير للعجب!! كيف تتبدل المشاعر الجماهيرية والشعبية خلال فترة زمنية وجيزة!! وكيف تتغير مواقف وقناعات جماهيرية ونخبوية من حدث لآخر!! وكيف توجه السياسة الاعلامية في مواجهة حقائق سادت دهراً، سياسياً ودولياً واعلامياً!! تحاول اقناعنا ببزوغ فجر جديد وبداية عهد ذهبي. وكأن هذه الأطراف تنتظر الفرص الذهبية من أجل إعادة صياغة مصالحها ومواقفها وسياساتها المعهودة. لقد واجهنا صيرورات كهذه منذ اعلان فوز المرشح الديمقراطي باراك حسين أوباما في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
إننا لن نناقش شخصية أوباما وانجازاته حتى دخوله للبيت الأبيض. فهي تدخل في سيرته الذاتية وظروفه وسياقاته الثقافية ونشاطه السياسي. فلا شك أن أوباما كشخصية سياسية تثير الاهتمام والرغبة في البحث عن حقائق تجربته الجماهيرية في سياقها الثقافي الأمريكي، وما يتعلق بالديمقراطية وممارساتها والعنصرية ضد السود والتطهير العرقي. والأمر لا يدعيني للبحث والكتابة والتفرغ للموضوع على المستوى الشخصي، ولا أعتقد أنه في سلم أولوياتنا كمسلمين. خاصة أن على آثر فوز أوباما، تحاول بعض الجهات اقناعنا بأن عهداً مثالياً قد بدأ، عهداً طوى صفحة الظلم والتمييز والفوقية البيضاء. والأخطر أن هذا العهد يُسقََطُ على العالم أجمع.. وكأن ما ينطبق على الولايات المتحدة ينطبق على البشرية جمعاء.. وما يتعلق بصيرورة الولايات المتحدة تخضع له الإنسانية كافة.. وكأن العنصرية المتجذرة ضد السود في النفسية والثقافة الأمريكية سادت كذلك عند الشعوب الآخرى.
الأسطورة ووظيفتها
يُصور لنا أن انتخاب أوباما للرئاسة الأمريكية هو تغيير-شعار أوباما الانتخابي- على المستوى العالمي، وكأن العالم انتخبه بل انتظره كمخلص آخر الزمان، وهذه هي العولمة الأمريكية في أبشع صورها، وخاصة عندما تتمثل في نفسية وشعور الجماهير والشعوب المغلوبة ثقافياً واعلامياً.. والأخطر عندما تشارك نخب سياسية واعلامية وثقافية مسلوبة في بناء وتكريس هذه الأسطورة المعولمة في نفوس هذه الشعوب. يكفيني أن أدعي حقيقة كونها أسطورة أحكم تصميمها داخلياً في الولايات المتحدة بناءاً على مصالح وسياقات سياسية واقتصادية داخلية.
خلال فترة رئاسة جورج بوش، غرقت الولايات المتحدة نتيجة سياساته الغبية والمتهورة في مستنقعات عديدة، أخطرها في أفغانستان والعراق، مما شكل صورتها الاستعمارية في أذهان الشعوب، خاصة العربية والإسلامية، وتكرست الكراهية للإدارة الأمريكية برموزها وقيمها في الديمقراطية والحرية. حتى ظهر السؤال الأمريكي: لماذا يكرهوننا؟! وكأن السؤال بحاجة لإجابة. هذه الصورة الذهنية-الواقعية لدى شعوب العالم وارتدادها على الشعب الأمريكي داخلياً وتأثيراتها عليه..بالإضافة لأسباب موضوعية (السياسة الداخلية ومؤخراً الأزمة المالية) تعبر عن فشل الإدارة السابقة، سهلت على أي مرشح ديمقراطي انهاء حقبة الحزب الجمهوري وخاصة ثلة المحافظين الجدد.
في ظل التعقيدات الداخلية والخارجية، كان على النخب الأمريكية صياغة أسطورة معولمة تخرج الولايات المتحدة من أزماتها وتعيد ثقة الشعب الأمريكي بذاته، وتستعيد صورة الحلم الأمريكي في نفوس شعوب العالم. فكان بارك أوباما الفرصة لاحكام سياسة الأسطورة وتسويقها في الداخل والخارج، وهذا لا ينقص من قيمة أوباما الذاتية وتجربته المثيرة.. ولكن لا يمكنها أن تخدعنا وتلهينا عن القضية الجوهرية: أنّ السياسة الأمريكية لا تتبدل بانتماء الرئيس الأمريكي السياسي والحزبي أوالإثني والعنصري.. ولا تنتفي عنها صفة الهيمنة والتمييز واستغلال ثروات الشعوب بمجرد انتخاب إدارة جديدة.
لون البشرة والفرصة!!!
ولا بد لنا ختاماً، من التعليق على لون بشرة أوباما.. وكون الأسطورة وهمية ولكنها في عصر الاعلام والعولمة الثقافية تتحرك بحرية وترافقها هيمنة النموذج الأمريكي والغربي. كما كان سائداً في الثقافات البدائية مما اتاح لنا دراسة حقيقة الأساطير وعلة انتاجها. واعترف أني علمت مؤخراً، حقيقة لقمان الحكيم بالرغم من حفظي لسورة لقمان منذ سنوات. فقد كان عبداً أسوداً حبشياً من سودان مصر، عظيم الشفتين والمنخرين، قصيرا أفطس مشقق القدمين، ولكن لا يضره ذلك عند الله عز وجل، فقد شرفه بالحكمة بقوله تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة). وقد قيل في الأثر: خير السودان أربعة رجال: لقمان بن باعوراء. وبلال بن رباح المؤذن: الذي عذب في الله ما لم يعذبه أحد، وهو يقول: أحد أحد. والنجاشي: ملك الحبشة. ومهجع: مولى عمر يقال أنه من أهل اليمن، وهو من المهاجرين الأولين وهو أول من استشهد يوم بدر.
وهذه بعض من نصائح ومواعظ لقمان لابنه: يا بني : كذب من قال: إن الشر يطفئ الشر، فإن كان صادقا فليوقد نارا إلى جنب نار فلينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى؟ وإلا فإن الخير يطفئ الشر كما يطفئ الماء النار. وقال يا بني: الرفق رأس الحكمة. وهذ حكم تكفي لأوباما والرؤساء البيض من قبله لتغيير سياسات الولايات المتحدة اتجاه الشعوب المستضعفة.
إنّ مجرد وجود سورة قرآنية تُتلى وتقص علينا حمكة لقمان العبد الأسود.. وحقيقة التصور العقائدي والتشريعي والفكري الذي صاغه القرآن الكريم وحديث رسولنا الكريم، لا يجعلنا نعتقد بثورية رئاسة أوباما الأسود على الشعب الأمريكي. بل يثبت أمامنا، تخلف الحضارة الغربية والديمقراطية الأمريكية وراء حضارة القرآن والإسلام الذي نزع من ضمير المسلم، منذ قرون، الشعور بالفوقية والاستعلاء البشري على ضوء اللون أو العنصر. إذاً أسطورة أوباما، هي نتاج ضمير غربي عاش دهوراً وقروناً في عنصرية جاهلية، لا يمكن لضمير مسلم تعقلها وهضمها نفسياً وسياسياً وعملياً. وليس من الموضوعية والتجرد العلمي عولمة الضمير والشعور الأمريكي-الغربي واسقاطه على تجارب حضارية آخرى (خاصة الإسلامية) تجاوزت أزماته وإشكالياته الثقافية والسياسية والاقتصادية.
والفارق أن أوباما أسطورة وحلم لن نبخل عليه بفرصة، ليحقق ذاته في عالم واقعي.. ولكنّ لقمان الحكيم كان واقعاً مثالياً.. يقدم لنا مقاربة عميقة بين الأصالة والمعاصرة.. معبرة عن حضورمثالي للواقع.. وحضور واقع للمثالية.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

اعتقد ان على المسلمين ان يتعلموا من دخول اوباما إلى البيت الابيض أكثر من ان يعجبوا .. فالإعجاب وان كان حاصلا ان اغلب الكتاب ايضا إلا انني لا اهضمه ابدا .. ففي ديننا الحنيف كان الاسود كالابيض ولكن وللاسف ومع اننا ايضا لا نجد مشكلة عظيمة مع سواد البشرة إلا اننا نجد بعض المسلمين اليوم يتمسكون ببعض مبادئ العصبية القبيلة .. ويطبقونها بحذافيرها وهذا حاصل في السعودية منذ عهود مضت .. وحاصل في كثير من الدول .. على المستوى العرقي اما في المسائل الدينية فالمسلمون منشقون إنشقاقات عظيمة . لذلك علينا ان نغض من كبريائنا قليلا وان نحترم الجميع ونبدا بالاصلاح بين السنة والشيعة مع اننا نعرف اخطائهم .. !!

بالنسبة لسياسة اوباما فلا اظنها ستكون مثالية .. حتى انني اجد نفسي متشائما بعض الشيء .. !

واخيرا نقول بارك الله فيكم وسدد خطاكم

والسلام عليكم