الثلاثاء، 6 أبريل 2010

مشروع زواج..!

مشروع "زواج الشعب الفلسطيني"
يُسأل السؤال لماذا إشكالية الزواج في "مجتمعات" الشعب الفلسطيني بالذات، ولما الحاجة في معالجتها؟!. من هذه الإشكالية تُشتق مشاكل وتحديات وواجبات عظام تواجه القضية الفلسطينيّة على المستويات المتعددة، اجتماعيّاً وثقافيّاً واقتصاديّاً، وليس فقط سياسيّاً واستراتيجيّاً. فليس عبثاً استخدمتُ كلمة "مجتمعات" بصيغة الجمع والكثرة، وليس مجتمعاً واحداً، كتعبيرٍ عن وحدة المصير ووحدة القضية، والتي تفرض عليه أنّ يُسطِرَ وحدة الواقع الاجتماعيّ والثقافيّ والسياسيّ، الذي من خلاله وفقط من خلاله يفرض المستقبل الذي يريده على الاحتلال والتاريخ!.

لقد قام المشروع الصهيونيّ على حساب الشعب الفلسطينيّ بكل مكوناته ونسيجه الإجتماعيّ والثقافيّ والسياسيّ.. وقد فرض الاحتلال الإسرائيليّ -من خلال سياساته وجرائمه الإستراتيجية- تفتيت وحدة الواقع الفلسطينيّ. لقد أصبح المجتمع الفلسطينيّ العربيّ والمسلم مجتمعات متعددة: الداخل الفلسطينيّ بكل تركيباته، الضفة الغربيّة وتقطيعها لكنتوناتٍ اجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ، القدس وتناقضاتها السكانيّة وانفصامها عن محيطها "الضفاوي"، "مخيم" قطاع غزة الكبير ومخيماته المتناثرة، وَحدِّث ولا حرج عن الشتات الفلسطينيّ، الذي لن أناقش واقعه هنا. لذلك فقد فرض المشروع الصهيونيّ في فلسطين واقعاً مجزءً، ولكنّ المصييبة العظمى، أننا نحن الفلسطينيون، كرسْنا هذه التجزئة، وما زلنا نغذيها بكل أفكارنا وسلوكياتنا وعاداتنا وتقاليدنا وغثياننا! من هذه المأساة نناقش إشكالية الزواج في مجتمعات الشعب الفلسطيني.. ونطالب بتبني مشروع "زواج الشعب الفلسطيني"!
هو في ظاهره مشروع تحدي، وفرض الأمر الواقع على المشروع الصهيونيّ وإسرائيل، بعد أن فرض وقائع اجتماعيّة وسياسيّة على مدار عشرات السنين. ولكنّه في أساسه وجوهره تحدٍ للواقع الفلسطينيّ الداخليّ ومعركة في سلسلة معارك هدفها الإنتصار على الذات. لطالما سمعنا بالأحكام المسبقة التي يطلقها ابن الداخل الفلسطيني (رقم 48) على إخوانه من الضفة الغربية، من مثل العمالة والخيانة والنذالة والتسول، وإلى ما ذلك، في القائمة الفلسطينيّة العريقة من الأحكام المسبقة، واليوم تشهد الحالة المقدسيّة النظرة نفسها اتجاه ابن الضفة الغربيّة، فبات المقدسيّ ينظر لإخوانه من الضفة الغربية بنظرة متعالية مستهزءة، وكأنّه لم يكن قبل بضع سنوات يُحسبُ على الضفة الغربية. فالهَويّة المقدسيّة التي حمّلته أياها إسرائيلُ، جعلت منه مخلوقاً آخر، وكأنّ جدار الفصل العنصري الذي بنته إسرائيل جاء يشكل هُويّة مقدسيّة جديدة، ولم تعد القدس جزءً من الضفة الغربية التي احتلت في حرب الأيام الستة عام 1967، وانسخلت القدس عن محيطها الفلسطينيّ، فأصبح الشعب شعبان والمجتمع مجتمعان، وهكذا صُفيّت القضية على مذبح النعرات الجاهليّة البدائيّة.
وإنّ العلاقة النفسيّة والذهنيّة بين الفلسطينيّ من الداخل والفلسطينيّ المقدسيّ أكثر تعقيداً، بالاضافة إلى مسلماتٍ من الأحكام المسبقة تراكمت عقوداً طويلة. فتختلط اليوم حقيقة تواجد ورباط فلسطينيو الداخل في القدس ودفاعهم عن الأقصى بمسلماتٍ توراثها المقدسيّ بأنّ عرب إسرائيل أناسٌ تهودوا وتصهينوا وخالطوا اليهود فغدوا منهم ("منفتحين" بالتعبير المتداول والمقصود على اليهود وعاداتهم وثقافتهم). ولا ننسى علاقة الغزاوي مع باقي مجتمعات الشعب الفلسطينيّ قبل انشطار القطاع ومحاصرة غزة منذ أعوام، وما تزال النظرة ذاتها وإن أخفاها حالياً ومؤقتاً واقع الحصار والمقاومة التي تشهدها غزة. هذه "المجتمعات" الفلسطينيّة المجزئة ومنظومة العلاقات الإجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة المُركبة، تُعيق وبدون شك، سيرورة التحرر الوطني، وتكرس حالة الاحتلال والتبعية للمُحتل، وتسهل عليه سياسة فرض الأمر الواقع وتجزيء المجزء.
إذاً ما العمل..؟ وأين تدخل إشكالية الزواج هنا في هذا السياق العام للشعب الفلسطينيّ؟!.
لو كنتَ قائداً فلسطينيّاً بيده الحل والعقد.. ما أنت بفاعل؟! شخصيّاً، لأمرت أن يُغرِبَ الشعب الفلسطيني النكاح! فحتى نكسر حاجز القطيعة ونذيب الأحكام المسبقة، ونجمع شمل هذا الشعب اللاجئ، ونفرض الأمر الواقع على المشروع الصهيوني، ونخترق الجدار النفسيّ والعنصريّ الذي زرعته إسرائيل والذي كرسه الفلسطينيون- فعلى الفلسطينيّ الداخليّ أن يعقد الزواج على المقدسيّة .. والمقدسيّ على الضفاويّة.. والمقدسيّ على الداخليّة.. والداخليّ على الضفاويّ.. وبالنسبة للغزاويّ والغزاويّة، ممكن أن يعقد الزواج غيابيّ أو عن طريق شبكة الإنترنت بحضور أولي الأمر والشهود المطلوبين شرعاً. هكذا وخلال جيل كامل من مشروع الزواج تختلط الأنساب شرعيّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً.. وهكذا يفرض الشعب الفلسطينيّ وحدة واقعه على الاحتلال وسياساته..
طبعاً ما أنا بساذجٍ..
فالنكاح وحده لا يحل قضايا الأمّة.. ولكن أردت بالموضوع إثارة إشكالية أو إشكاليات عميقة في مجتمعنا الفلسطينيّ المنكوب من الداخل والخارج…