الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

خاطرة على هامش الهجرة والميلاد

متى وُلِدَت الأمة؟ هذا هو السؤال
رُشد: لم تقنعني! لا يمكنني تتجاهل أنّ العالم اليوم يحتفل بعيد الميلاد.
يَقظان: لعلك تدرك أنّ المسألة ليستِ القناعة بموقف وقدرتي على تغيير قناعاتك، إنّما هي خيار تتبناه عن إرادة يختلط فيها الإدراك الفكري والتعبير الذاتي عن هويتك.
رُشد: ماذا تقصد!؟ هل أختار بدون قناعة؟
يقظان: بعبارات آخرى، بعيداً عن الجدل العقائدي والفقهي حول احتفالك بعيد الميلاد، المسألة تتعلق بخيارك الثقافي، هل ترغب بتكريس مركزية الغرب في فكرك وسلوكك وعاداتك؟
رشد: وما علاقة مركزية الغرب؟ أنا أرى أن الاحتفال بالمناسبة هو إنساني وعالمي!
يقظان: إذا لماذا لا تحتفل بميلاد بوذا أو كونفوشيوس، فقد أسسا أيضاً أديان وحضارات وأمم تقدسهم وتحترمهم حتى الآن؟
رشد: آه! ولكن ميلاد السيد المسيح لا شك أثر فينا.. وهو قريب علينا كعرب ومسلمين. وكذلك نعتبره من الرسل وأولي العزم من الرسل!
يقظان: ولكن ألم تدرك أنّ المسالة لا تتعلق بالقرب من حيث التأثير. فلا شك أنّ ميلاد محمد بن عبد الله العربي أثر فينا أكثر، ومع ذلك لا يعتبر ميلاده عيداً ثقافياً أو حتى دينياً لدى العرب والمسلمين.
رشد: كيف هذا؟ فنحن نعلم أنّ المسلمين يحتفلون بالمولد النبوي، فيقيمون الأمسيات والمدائح والمسيرات؟
يقظان: بلى. ولكن لننظر إلى المسألة كونها عادات لها سياقها التاريخي ونستطيع تتبع مصدرها وبداياتها وتجلياتها. والحقيقة أن العادة هي ظاهرة غير أصيلة في هويّة الأمة. ولو أنّها أصيلة لكان الحريّ بالعرب المسلمين الأوائل والمسلمين من بعدهم جعل المولد بداية التأريخ لتحركهم التاريخي.
رشد: أتريد القول أنّ ...
يقظان: أريد أن تدرك أن خيارك يتعلق بذاتك وهويتك وليس بالعادة المنتشرة بين الناس اليوم!
رشد: مرة آخرى! هل تستطيع تجاهل أن العالم يسير وفق التأريخ الميلادي اليوم؟
يقظان: جاهل من يتجاهل! فلا يمكن تجاهل العادة.. ولكنك لا يمكنك تجاهل أن هيمنة تقف من وراء "العادة" التي تحولت إلى عادة. الهيمنة هذه هي مركزية الغرب وثقافته حتى في تحديد تاريخ ميلادك!
رشد: وضّح!
يقظان: ما الأصح أن تقول: "تُوفيّ أبا حامد الغزالي عام 1111 بعد الميلاد" أم " تُوفيّ أبا حامد الغزالي عام 505 بعد الهجرة"؟
رشد: أعتقد أن في الحالتين صحيح!
يقظان: هنا المسألة! في السؤال متى وُلَدت الأمة ومتى تُوفيت؟ لنرسم خط بياني لميلاد الأمة أيّ أمة، تجد أنّ لها تاريخ ميلاد، تصل الفتوة والشباب بعد فترة معدودة.. ثم تبلغ أشدها وذروتها.. ثم تشيخ..ثم يُعلن وفاتها. فلو اعتبرنا أن زيداً ولد عام 1967 وقد بلغ الأربعين من عمره، هل يُعقل أن نحدد تاريخ ميلاده بالقول: " إنّ زيداً وِلد 19 عاماً بعد ميلاد موشي عام 1948".
رشد: رياضياً وحسابياً جائز!.
يقظان: ولكنك تعلم أن الإشكالية ليست في الحساب.. إنّما في الثقافة، وما التأريخ الذي يعبر عن سيرورتك التاريخية والثقافية، فجعلت من "موشي" نقطة ميلادك وكأنك تستحضر هنا تطور وبلوغ "موشي" وليس رسمك البياني منذ ميلادك حتى وفاتك، وما يتخلله من إنجازات وإخفاقات، وكأنك تسلخ نفسك من تاريخك وتخرج نفسك من زمنك.
رشد: الذي تريد قوله...
يقظان: رأس السنة الميلادية... ليس أكثر من تعبير عن هيمنة الغرب.. وثقافته وجعلها مركز العالم...وكأن العالم يسير ويطوف حوله وهو الأهم والأرقى والأصح... تاريخنا يبدأ منذ الهجرة.. وهناك تشكلت هويتنا وثقافتنا وتاريخنا.. وليس ميلاد السيد المسيح.. وعلى فكرة ليس بولادة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام..
رشد: وأين الخيار يكمن؟!
يقظان: الموضوع يطول... ولكن لا تقنعني أن الأمر لا يتعلق فيك وفي كل شخص فينا.. مسألة إرادتنا في تغيير العادة والتأثر بالآخر.. انا قادر أن أتجاهل التاريخ الميلادي.. لأنه لا يعبر عني.. هذه هي المسألة "الهوية"... متى ولدتِ كأمة !!
أسامة
بيت المقدس
30\12\2009

ليست هناك تعليقات: