الثلاثاء، 16 يونيو 2009

أوباما: بين توزيع الابتسامات وتغيير الاستراتيجيات

الاستيطان والقدس نموذج
بقلم:- أسامة عباس
وأنا واقف أراقب القدس من مطلة جبل المكبر ("قلعة المندوب السامي") وإذ بشاب يهودي يسألني بحرقة بعد طرح "الشالوم" عليّ : هل هذه مطلة المندوب السامي؟ وأين هي "مدينة داوود"؟.. فأجبته بلهفة مستغرقٍ بالتأمل منذ ساعة: نعم هذه كلها –مشيراً شرقا وغرباً- مُتَنَزّهة "أرمون هنتسيب" !! وهناك قرب سور البلدة القديمة الجنوبي، قِبَل المسجد الأقصى المبارك يقع حيّ السلوان وفيه تقع ما تسمى "مدينة داوود" – وأردفت معقباً – برغم أنّ تسميك يا هذا!! لهذا الموقع بهذه التسمية لا يمِتُ للعلم ولا للبحث التاريخي و"الأرخولوجيا" بصلة.." فعاد الشاب وصاحبته للخلف بنظرة استغراب أو شعور بجهل متخفياً بابتسامة ، مكتفياً منّي بمعلومة جغرافية وملحوظة علميّة وموقف سياسيّ !.

ولعل هذا الموقف مثالٌ صغيرٌ لتشابك الجغرافيا والعلم والسياسة في الصراع على القدس وتحديد هويتها وانتماءها. وهل هذا التشبيك المعقد وفرض جغرافيّة الاحتلال من جدار فاصل واستيطان مكثف وسياسة موجهة منذ عقود- للهيمنة على هوية القدس وتشويه انتماءها واستغراب أهلها فيها.. أهذا واقع منكوب تمحيه ابتسامات وغزل من سيد البيت الأبيض .. في خطابه الأخير من القاهرة "للعالم الإسلامي" !! أمّ أنّ القدس "بحاجة" لتغيير استراتيجيات كبرى للإدارة الأمريكية ؟!!
وإن كنّا لا نعول بتاتاً -قديماً أو حديثاً- على تغيير استراتيجي في ظل غيابٍ وسباتٍ عربيٍ إسلاميٍ!! ولو أنّ الأمر، لا يمنعنا من مراجعة هذه الابتسامات والاستراتيجيات في جوٍ جديد من الغزل والغزل المضاد والاعلام الموجه (ذاتياً وخارجياً) والاستلاب السياسي المستديم أو الجديد القديم!
وخطاب نتن ياهو بالأمس (14.6.2009) وإصراره على وحدة القدس الأبدية، لم يأتي من فراغ!! وأقولها بكل ثقة وواقعية: إنّ القدس اليوم غير قابلة للتقسيم ليس فقط نظرياً بل عملياً. والسياسة الإسرائيلية مدركة لهذه الحقيقة التي صنعتها.. وقد فرضت هذا الأمر الواقع منذ احتلال القدس .. وفي كل لحظة تتكرس هذه الحقيقة عبر مخططات الاستيطان في القدس وضواحيها ومحيطها الاستراتيجي أمنياً كان أم سياسياً أم دينياً أم إقتصادياً ...

شرقاً.. بعد بناء مستعمرة "معالي أدوميم" صادق في حينها اسحاق رابين على مخطط لوصلها مع مدينة القدس.. وخصص الأراضي المطلوبة لذلك! للمباشرة في بناء مستوطنة "مفسيرت أدوميم"، التي تقطّع أوصال الوجود الفلسطيني مقدسياً أو بالتواصل الجغرافي والإجتماعي والإقتصادي والسياسي مع باقي مدن وقرى الضفة الغربية.

جنوباً.. اختير جبل أبو غنيم لإقامة مستعمرة "هار حوما" والتي تعتبر اليوم بلدة كبيرة متطورة من حيث البنى التحتية والبشرية.. ويستمر مخطط أيصالها جغرافياً بأحياء القدس الجنوبية والغربية. . رغم انتقاد الإدارة الأمريكية السابقة للتوسع الاستيطاني هناك. ولم تكف وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس بانتقاد السياسة الإسرائيلية هناك ودعوتها للتوقف وتجميد البناء والتوسع.

وبعيداً في الجنوب، الكتلة الاستيطانية "عتسيون" خلقت مع الزمن تواصل جغرافي حقيقي مع القدس.. حتى باتت تعتبر جزءا لا مفر منه من القدس الكبرى..!!
لا يخفى على أحد، أنّ سياسة الاستيطان وفرض جغرافيا جديدة، كانت نقطة خلاف بين إسرائيل والإدارات الأمريكية المتتابعة!! ولكن دون التعمق في هذا الخلاف وتفاصيله-لأنه يثير السخرية والضحك في آن واحد- يسأل السائل: ما الجديد إذاً في خطاب أوباما الأخير أو السياسة التي يتبناها اتجاه سياسة الاستيطان والتوسع الطبيعي و"الاصطناعي" للمستوطنات؟؟! هل هو تغيير استراتيجي لإدارة المنطقة العربية أم ابتسامات مؤقتة يمليه عليه الوضع الراهن للولايات المتحدة وموازنات جديدة لدورة جديدة من الخداع السياسي وخطاب سلام الشجعان؟!

وليس عبثاً أن يُعتبر خطاب نتن ياهو بالأمس في نظر الإدارة الأمريكية "خطوة نحو الأمام" !! أيّ "أمامٍ" والقدس "عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل".. وتوسع الاستيطان في القدس ومحيطها واقع لا مفر منه.. ولم يذكر أوباما ولو بكلمة واحدة جدار الفصل الذي انتزع القدس عن محيطها الجغرافي وشرّد أهلها داخلياً وحاصرهم في كنتونات لا تحمل أدنى مقومات الحكم الذاتي إذ لم نقل عاصمة لدولة عتيدة.. بات نتن ياهو يؤمن بها !!..

وحين بدأ السجال الأمريكي الإسرائيلي حول تفاهمات شفهية متبادلة مع الإدرات السابقة في مسألة الاستيطان وتوسعه الطبيعي والغير طبيعي.. صور لنا الاعلام أنّ خلافاً حقيقياً واقع بين الإدارة الجديدة الأوبامية وبين حكومة اليمين الإسرائيلي.. وكأن وجود تفاهمات من عدمه يغير من واقع الجغرافيا والسياسة شيء!! وكأن نفي وجود تفاهمات من قبل أوباما وإدارته تسجل في سياسته الجديدة وتقيد سياسة الاستيطان الإسرائيلي!! فهل يعقل أن لا يستخدم جورج ميتشل - المستشار الحالي لأوباما للشرق الأوسط ومبعوث بيل كلنتون سابقاً في لجنة التحقيق(2000)- توصيات هذه اللجنة حينئذ "بتجميد مطلق للاستيطان"!!
إن المتتبع لسياسة الإدارات الأمريكية منذ بوش الأب حتى أوباما الشاب يجد أن استراتيجية جديدة بعيدة عن الواقع الاستيطاني والمقدسي... وإن ابتسامة أوباما -اللطيفة بدون شك- لا ترقى لأن تكون إلا تكتيك اعلامي بغض النظر عن وجود مؤامرة سياسية من عدمها (وإن كنّا لسنا ممّن يقنعون أنفسهم بهيمنة مؤامرات تسيّر شؤون الكون) . فخطاب أوباما يمكن تصنيفه باستراتيجية توزيع الابتسامات والغزل السياسي، فهل يعقل!! أنّ شاباً ليبراليّاً من انتاج هارفرد يتغزل بالملك "عبد الله" السعودي واصفاً أياه بقائد ذي خبرة غنية وحكمة عالية.. وكذلك "مبارك" وزعماء آخرين في المنطقة المُعدّلة صناعياً بأنهم أصحاب خبرة وإرادة . ولعل شهر العسل ينتهي قريباً لتكشف الابتسامات عن أنياب استراتيجية عميقة متجذرة في السياسة الأمريكية.. لا يقتلعها شابٌ أسودٌ كان يملك إرادة وكاريزما وابتسامة بيضاء!!
أسامة عباس القدس 15 \ 6 \2009

هناك تعليق واحد:

Omar Talk يقول...

لا فوض فوك .. والله ابدعت
يا اسامة !

تحياتي لك .. وللفكر الإسلامي الوسطي الذي تحمله !

دمت ذخراً للأمة .. وللقدس !