السبت، 28 فبراير 2009

تنكر إسرائيلُ لجرائمها !

بقلم:- أسامة عباس
صيادو غزة: تقرير لعباس ناصر وذوق مهني وبلاغي عالٍ
يسعى المجرم دائماً للتنكر لمسؤوليته عن جرائمه.. ظاهرة تثير اهتمامنا لدراسة طبيعة هذا التنكر وطرائقه المتنوعة. والمعتدي يشجع نفسه والآخرين بطرق مثيرة لنسيان أعماله ونتائجها على ضحيته.. لذلك تمثل السرية والصمت عاملان مهمان في خط الدفاع الذاتي الذي يحدده المعتدي. وإذا لم يفلح بالحفاظ على هذان العاملان ينتقل إلى أسلوب اعلامي خطير يهدف لضرب أمانة ومصداقية ضحيته وادعاءاتها. وإذا فشل في إسكات صوت الضحية نهائياً، يسعى لتقليص جمهور المستمعين والمنصتين.

في سبيل هذه المراحل والطرائق لسياسة المجرم يجند لخدمته منظومة جدية من الادعاءات ملفوفة بتنكر سافر وصارخ بأسلوب عقلاني وانتلجنسي ومركب لا مثيل له. وبعد كل عمل اجرامي نتوقع الاعتذارات ذاتها.. والتي أصبحت معروفة.
وفي الاعلام المجنّد لصالح المُستعمر- وفي أيامنا الاعلام الإسرائيلي وغالبية الاعلام الغربي المؤثر- إذا ادعيّت أنّ المقاومة الفلسطينية إرهابية .. فمجرد القول يكفي لأن تقيم الدليل على إرهابية الفلسطينين.. ولكن إذا ادعيّت أنّ إسرائيل إرهابية فالأمر يحتاج منا لإثبات منطقي وعلمي صارم.. وحتى إذا زودتهم بذلك فإنّ إثباتك سيخضع لعملية جراحية مكثفة.. وسيمر تحت رقابة ونقد صارم.. بهدف تفريغه من محتواه الأخلاقي والعملي وايجاد الثغرات - وهذا ليس مستحيلاً- كي تشوه حقيقته وتُحاصر حتى لا تصل للرأي العام .. فهكذا يتطلب من الضحية اثبات جرائم المجرم.. بينما لا يطلب من اسرائيل اثبات انسانيتها وأخلاقية مؤسستها العسكرية والسياسية. وهنا تختل المعادلة والعدالة.. فإسرائيل الطفل المدلل لا يطلب منها الاعلام تفصيل حججها ومواقفها.. بينما في ذات الاعلام لا يمنح الوقت الكافي للضحية بتفصيل موقفها ووصف جرائم المُحتل.. وحين يبدأ بالتفصيل يشعرها الاعلام بملله من روايتها المستهلكة بالنسبة له.
كما أنّ إسرائيل تستعمل إسلوب النسيان كي تخرج نفسها من ورطة "الذاكرة الإجرامية".. فكذلك الاعلام المجند والغربي منه.. يحاول مساندتها في محو الذاكرة كي لا تتراكم الأدلة والحقائق في ذهنية الجمهور مّما يحرمه من تأسيس وعيٍّ سياسيّ واعلاميٍّ بالقضية الفلسطينية. حتى الآن نجحت إسرائيل دائماً في محو ذاكرتها .. وخداع مواطنيها والرأي العام العالمي. ولكنّ الخطورة تكمن في امكانية نجاحها بدفع ضحيتها لنسيان جرائمها.. وهذه حالة معروفة من خلال حالات نفسية فردية.. بحيث ينجح المعتدي باقناع ضحيته بعدم وجود اعتداء.. وآخرون من حولها يساندونه في ذلك (النظام المصري والرسمي العربي والاعلام العربي الموجه).. ممّا يشوه للضحية وعيها ويقنعها بصدقية الآخرين من حولها وامكانية خطأها ومبالغتها في ادعاءاتها.. فتبدأ بعملية توجيه داخلي واقناع ذاتيّ.
تنكر المستعمر لجرائمه عادة قديمة كقدم الاستعمار.. الذي يملك -لمجرد كونه استعماراً- أدوات الهيمنة الاعلامية والسياسية.. فهو يملك مصادر القوة والمعرفة.. وحتى تنتفض الضحية على جلادها لا بد لها من امتلاك القوة والمعرفة على السواء.. وسحبها من بين يدي جلادها.
القدس
28 \ 2\ 2009

ليست هناك تعليقات: