الجمعة، 16 أكتوبر 2009
الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009
خواطر حول الهوية والحرية
الحجاب والهوية والحرية
ما الذي قصده "الفنان" حين تمثلث المرأة المُحجبة في ذهنه بهذه الصورة وعلى هذا الشاكلة [1] ؟! هل هي مجرد صورة ذهنية لا تتعداها إلى البنى النفسية والثقافية والحقيقة الاجتماعية؟! إنّ المرأة المحجبة تظهر من خلال التمثال كأنّها امرأة خاويّة لا تحتوي مضموناً ولا تلفظ معنىً، فما وراء الحجاب واللباس إلا فراغ أسود تُطِل منه كفُّ يدٍ على استحياءٍ، وما الحجاب إلا غطاءٌ يخفي حقيقة الفراغ والتخلف، أو هو تخلف يَحُولُ بين المرأة وبين تحقيقها لذاتها وملئ فراغها وخواءها الثقافي والفكري. إنّي أدرك أنّ الفنان يهوديّاً ، ولكنّي التقيت في حياتي مسلمين كثر لا يبتعدون في خيالهم وتفكيرهم عن هذه الصورة الذهنية، وتُكرس عندهم هذه الصورة النمطية. إذاً الإشكالية لا تتوقف عند نظرة الآخر العقائدي للمرأة المسلمة المحجبة، بل تأخذ حيّزها في المجتمع المسلم على المستوى الفكري والثقافي.
والإشكالية من جهة آخرى تشير إلى ثنائيات خطيرة في حياتنا بحاجة للمقاربة الفكرية والمعالجة السلوكية، مثل الصراع بين الباطن والظاهر، وبين الجوهر والشكل، وبين حقيقتي الشخصية الداخلية ونظرة الناس إليّ. فهل الحل لهذه الإشكالية هي تبني الحرية المطلقة، التي يتجرد فيها الإنسان من أبعاده الباطنية وخفايا أسراره الغريزية والنفسية والثقافية، فيظهر أمام الملئ كما هي حقيقته وشخصيته بينه وبين سِرَّه؟ أمِ الحلُّ تنكره للحريّة والتطبع مطلقاً بالهوية ومعتقداتها وأنماط تعبيراتها. إذاً هل نحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا الهوية وإمّا الحرية؟! إمّا أن تتمسك المرأة المسلمة بهويتها -والذي يمثل فيها الحجاب مرتكزاً أخلاقياً وثقافياً أساسياً بل حتى عقائدياً- فتُصادر حريّتها الفرديّة والنفسيّة والثقافيّة؟! أمّ أنّها تطلب حريّتها المطلقة وإن تنافرت وهويّتها العقائدية والثقافية؟ .
هل من طريق ثالث للمقاربة بين الهوية والحرية؟ بين الاعتزاز بالهَوية وتكريس قيمها الأصيلة وحتى شكلياتها التي لا تضر ولا تنفع، وبين تحقيق حرية الفرد والإنسان وتكريس شخصيته المميزة ومقوماتها الخاصة في الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي؟ هذا الثنائي المتمثل بالهوية والحرية من تلك الثنائيات المطلقة التي لا بد لعقل المسلم من مجابهتها في العصر الحديث وتحت وطأة الحداثة وما بعدها.
والمسألة هنا ليست مسألة فلسفية بقدر ما هي إشكالية نفسية وثقافية تؤثر على جوانب إنسانية متعددة، يمكنها أن تتجلى في سلوكياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية وحياتنا السياسية. فمن جهة يمكن لتأثيراتها النفسية أن تعيقنا عن التفكير بواقعنا ومشكلاته وحلولها بصورة ابداعية وواعية وإيجابية، فتنحرف بنا لمواقف متطرفة وتكفيرية وأيديولوجية مغلَّفة. ومن جهة آخرى، تعيقنا حالتنا النفسية من الإلتصاق بمجتمعنا وواقعنا فنطلب العزلة والأنانية والفردانية المتطرفة ونختزل أنفسنا بمصالحنا الذاتية الدنيوية.
معادلة الحسم بين الثنائيات
ولكن هل من معادلة نظرية يمكن تطبيقها لتجاوز هذه الثنائية ولحل هذا التناقض؟! على ما يبدو ليس هناك من يملك هذه المعادلة السحرية! وهذه حقيقة تنطبق على كافة الثنائيات التي اصطدمت بها حركات الإصلاح ومنظروها في الواقع الإسلامي، مثل الشورى والديمقراطية أو الأصالة والمعاصرة أو التقليد والحداثة أو الوحي والعقل أو الإيمان والعلم وغيرها، وقديماً الشريعة والحقيقة أو الحكمة والفلسفة وغيرها. ولعله يمكن للفكر أن يُرجِّح طرفاً من الثنائية على الطرف الآخر، بحيث يسوق الحجج والبراهين العلمية والمنطقية على صحة المفهوم الأول، أو انّه يبدع حالة توافقية بينهما أو تلفيقية. ولكنّه أبداً لن يحسم الصراع بين الثنائي.. ففي هذه الحالة يبقى الحسم داخل نخب ثقافية علمية لا تعكس بالضرورة خيارات المجتمع والأمة. إنّما الحسم من شروطه أنّ ينتهي في البنى الاجتماعية والثقافية للأمة.. بمعنى أنّ الممارسة العملية وسيرورة المجتمع وتطوره الذاتي من يحسم الصراع الثنائي ويحدد صورة الحسم وطبيعته.
فلنحاول بدايةً معالجة الهوية ومن ثم الحرية، وبعد ذلك نقرأ القرآن لنرى آيات الله في أنفسنا وفي الآفاق:
من أكون؟! من أنا؟!
سؤال يبدو سهلاً عابراً للوهلة الأولى! بالذات حين نقف لنُعَرِّف عن أنفسنا.. فيكون جوابنا عفويّاً: اسمي فلان ابن علان. وعندما نُلزَم العمقَ في التعبير عن أنفسنا، ويطلب منا التعريف بحقيتنا، تتلعثم الألسن ولا تفلح بايصال أبسط المعلومات عن حياتنا وشخصيتنا، كأنّا لا نعرف أنفسنا، ولسنا إلا غرباء عن ذاتنا وهويتنا الشخصية والعامة. هذا في سياق التعريف بأنفسنا كأفراد داخل مجموعات تعارف. فما بالك حين نريد أن نحدد هويتنا الكونية ( النفسية والعقائدية والثقافية والسياسية...إلخ).. كي نميزها ونمحصها في سياق علاقات التدافع والصراع والتعارف بين الأمم[2]. فإذا تلعثم اللسان في الأولى فكيف لا تغترب الذات عن الهوية في الثانية. وهذه أبسط العلاقات الجدلية التي تربط حالة الفرد النفسية والتربوية وحال الأمة ثقافياً وسياسياً. بمعنى قدرة الفرد على التعبير عن ذاته في أمّةٍ عاجزةٍ عن التعبير عن هويّتها، ومدى قدرته على إدراك حريّته وممارستها في سياق هويّة الأمّة وعقيدتها.
صبغة الله وكرامة الإنسان [3]
بعكس الطلاء لا بد للصبغة أن تتداخل في مسام القماش ومادته. فكأن الإيمان بالله وملة إبراهيم وما أنزل على الرسل هي الصبغة الإلهية التي تتغلغل في الجسد. الإيمان ليس صبغة من خارج الجسد ولكنّ الله جعلها في خلايا القلب موجودة فيه لحظة الخلق، صبغة موجودة بالفطرة. فكما أنّ الإيمان يمتزج بالقلوب كذا امتزاج الصبغ بالمصبوغ، وتبدو آثار الصبغ على المصبوغ. ويقال: تصبّغ فلانُ في الدين إذا أحسن دينه وتقيد بتعاليمه تقيداً تاماً. وقوله تعالى: "صبغة الله" بالنصب وورد مورد المصدر المؤكد لقوله على لسان المؤمنين "آمنا بالله.." فإنّه في معنى صبغنا الله بالإيمان. فوصف الإِيمان بأنّه صبغة الله، ليبين أنّ المباينة بين هذا الدين الذى اختاره الله وبين الدين الذى اختاره المبطلون ظاهرة جليّة، كما تظهر المباينة بين الألوان والأصباغ لذى الحس السليم.
"صبغة الله التي شاء لها أن تكون آخر رسالاته إلى البشر. لتقوم عليها وحدة إنسانية واسعة الآفاق، لا تعصب فيها ولا حقد، ولا أجناس فيها ولا ألوان. ونقف هنا عند سمة من سمات التعبير القرآني ذات الدلالة العميقة.. إنّ صدر هذه الآية من كلام الله التقريري: { صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة. ونحن له عابدون }.. أمّا باقيها فهو من كلام المؤمنين. يلحقه السياق - بلا فاصل - بكلام الباريء سبحانه في السياق. وكله قرآن منزل. ولكنّ الشطر الأول حكاية عن قول الله، والشطر الثاني حكاية عن قول المؤمنين. وهو تشريف عظيم أن يلحق كلام المؤمنين بكلام الله في سياق واحد، بحكم الصلة الوثيقة بينهم وبين ربهم، وبحكم الاستقامة الواصلة بينه وبينهم. وأمثال هذا في القرآن كثير. وهو ذو مغزى كبير."[4]
وقول سيد الأخير يرشدنا لمفهوم كرامة الإنسان في ظلاله:
"ذلك وقد كرّم الله هذا المخلوق البشري على كثير من خلقه. كرمه بخلقته على تلك الهيئة، بهذه الفطرة التي تجمع بين الطين والنفخة، فتجمع بين الأرض والسماء في ذلك الكيان!
وكرّمه بالاستعدادات التي أودعها فطرته؛ والتي استأهل بها الخلافة في الأرض، يغير فيها ويبدل، وينتج فيها وينشئ، ويركب فيها ويحلل، ويبلغ بها الكمال المقدر للحياة.
وكرّمه بتسخير القوى الكونية له في الأرض وإمداده بعون القوى الكونية في الكواكب والأفلاك..
وكرّمه بذلك الاستقبال الفخم الذي استقبله به الوجود، وبذلك الموكب الذي تسجد فيه الملائكة ويعلن فيه الخالق جل شأنه تكريم هذا الإنسان!
وكرّمه بإعلان هذا التكريم كله في كتابه المنزل من الملأ الأعلى الباقي في الأرض.. القرآن..
(( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً )).
(وحملناهم في البر والبحر)والحمل في البر والبحر يتم بتسخير النواميس وجعلها موافقة لطبيعة الحياة الإنسانية، وما ركب فيها من استعدادات، ولو لم تكن هذه النواميس موافقة للطبيعة البشرية لما قامت الحياة الإنسانية، وهي ضعيفة ضئيلة بالقياس إلى العوامل الطبيعية في البر والبحر. ولكنّ الإنسان مزود بالقدرة على الحياة فيها، ومزود كذلك بالاستعدادات التي تمكنه من استخدامها. وكله من فضل الله.
(ورزقناهم من الطيبات).. والإنسان ينسى ما رزقه الله من الطيبات بطول الألفة فلا يذكر الكثير من هذه الطيبات التي رزقها إلا حين يحرمها. فعندئذ يعرف قيمة ما يستمتع به، ولكنه سرعان ما يعود فينسى.. هذه الشمس. هذا الهواء. هذا الماء. هذه الصحة. هذه القدرة على الحركة. هذه الحواس. هذا العقل.. هذه المطاعم والمشارب والمشاهد.. هذا الكون الطويل العريض الذي استخلف فيه، وفيه من الطيبات ما لا يحصيه.
(وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) فضلناهم بهذا الاستخلاف في ملك الأرض الطويل العريض. وبما ركب في فطرتهم من استعدادات تجعل المخلوق الإنساني فذاً بين الخلائق في ملك الله..
ومن التكريم أن يكون الإنسان قيّماً على نفسه، محتملاً تبعة اتجاهه وعمله. فهذه هي الصفة الأولى التي بها كان الإنسان إنساناً. حرية الاتجاه وفردية التبعة."[5]
"والفرق بين التفضيل والتكريم بالعموم والخصوص؛ فالتكريم منظور فيه إلى تكريمه في ذاته، والتفضيل منظور فيه إلى تشريفه فوق غيره، على أنه فضّله بالعقل الذي به استصلاح شؤونه ودفع الأضرار عنه وبأنواع المعارف والعلوم، هذا هو التفضيل المراد. "[6]
ملخص القول:
لقد عالج القرآن مسألة هويّة الإنسان بجعلها قوة باطنية نابعة من عقيدة وصفها بالصبغة. والصبغة كما فسّرها المفسرون هي الإيمان أو الإسلام أو الفطرة أو دين الله، وكأنّها تصبغ شرايين وأوردة وخلايا المؤمن كما يصبغ الصبغ شعيرات الصوف المتداخلة، فلا ينفك الصبغ عن المصبوغ كما ينفك الطلاء عن الحائط. وهذ ميزة الهوية التي تنبع من بواطن النفس ومكامنها. ولأن كرامة الإنسان التي كرسها القرآن تخرج من حقيقة إنسانيّته وآدميّته فلا تتعارض صبغة-هوية الإنسان مع كرامة-حرية الإنسان.. أو أنّ المفروض أن لا يحدث هذا التناقض والتصادم لولا أنّ الأصل قد حُرِّف أو استبدل.
والمرأة كالرجل حين تصبغ قلوبهم بالإيمان ويُكّشِفوا عن فطرتهم السليمة - المتجردة من العقد النفسية والثقافية المهترئة، والموروثات البالية التي لا تشكل إلا غشاوة على أبصارهم وبصائرهم- فلا ريب أنهم سيجدون كرامتهم وحريتهم تنسجم مع هذه الصبغة والهوية الأصيلة. وكما قضى الله تعالى أن يرينا آياته في الأنفس والآفاق فإنّه خير دليل على انسجام واتساق الباطن والظاهر والهوية والحرية والوحي والعقل والنفس والمجتمع.
وليس عبثاً أن رسالة الإسلام الوحيدة التي حُفِظت من خلال كتاب مسطور، متجاوزة شخصنة الدين(كالتثليث) أو توثين الدين(أحبارهم أرباباً). ومن ثم فالقرآن هو الوحي الذي عالج هذه الثنائيات والتناقضات بدءً بمخاطبة النفس وصَبغها بصبغة الله (ومن أحسن من الله صبغة) فتحققت العبودية وجُبِلت مع كرامة الإنسان ورفُعِت مقوماتَه الإنسانية فوق التراث والموروث. وهذه ميزة القرآن الأصيلة الربانية.
[1] التمثال أو المجسم موجود في جادة مأمن الله في القدس (מאמילא)... وهو مجمع تجاري قريب من باب الخليل في مدينة القدس. وهو واحد بين عشرات القطع "الفنية" تعرض على طول الجادة.
[2] قوله تعالى: "يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا..." (الحجرات:13).
[3] أنظر إلى تفسير الأية الكريمة:" صبغة الله. ومن أحسن من الله صبغة. ونحن له عابدون" (البقرة:138) – النص تحت هذا العنوان اقتباس أو تلخيص بتصرف من كتب التفسير: 1) محمد متولي الشعراوي: خواطر الشعراوي \ سيد قطب: في ظلال القرآن \ الطنطاوي: الوسيط في تفسير القرآن الكريم \ الطاهر بن عاشور: تفسير التحرير والتنوير.
[4] سيد قطب: في ظلال القرآن (الآيّة).
[5] في ظلال القرآن
[6] الطاهر بن عاشور: تفسير التحرير والتنوير
أسامة عباس
بيت المقدس
13 \ 10 \ 2009
الأحد، 11 أكتوبر 2009
أنشودة مولاي يا مولاي - - - قمة في الروعة
مولاي إني سائر .. للدين حتم سائر.. فالقدس صاحت: غادرٌ.. أدمى فؤادي الطاهر
مولاي إني سائر .. للدين حتم سائر.. فالقدس صاحت: غادرٌ.. أدمى فؤادي الطاهر
مولاي إني سائر .. للدين حتم سائر.. فالقدس صاحت: غادرٌ.. أدمى فؤادي الطاهرُ ونداء الأقصى أبكاني فجر وجداني ... وضمير الأمةِ يا ربي.. مات بلى جاني ونداء الأقصى أبكاني فجر وجداني ... وضمير الأمةِ يا ربي.. مات بلى جاني مجرم قالوا لأني.. أرفض الذل الكبير.. أرفض العيش بصمتٍ... ضمه القهر المرير
مجرم قالوا لأني.. أرفض الذل الكبير.. أرفض العيش بصمتٍ... ضمه القهر المرير
فليقولوا ما يقولوا.. أنت من أرجو رضاه .. أنت من تعلمُ أني.. لك أرخصتُ الحياة
فليقولوا ما يقولوا.. أنت من أرجو رضاه .. أنت من تعلمُ أني.. لك أرخصتُ الحياة مولاي .. يا مولاي...مولاي.. يا مولاي... ياما رويت.. بدماءك أشجارَ... والعزةِ والإنتصار
ياما رويت.. بدماءك أشجارَ... والعزةِ والإنتصار لن يسروقوك من تاريخنا.. لن ينزعوك من صدورنا .. يا شهيد ... لن يسروقوك من تاريخنا.. لن ينزعوك من صدورنا .. يا شهيد ... يا شهيد.. يا شهيد... يا شهيد...